-A +A
علي بن محمد الرباعي
يتفدّى المؤذن؛ العريفة؛ برقبته؛ إن شافه؛ مقبل؛ قام له، وإن لقيه قاعد؛ سلّم في رأسه؛ وإن جا خارج من المسيد؛ ناوله بكّوره؛ وسنّع له زنوبته؛ وهو المسؤول؛ عن حرث، وصرام؛ مزارعه، والعريفة ما يحرم (راعي الشيمة) كما يسميه؛ الحقّه من الذبيحة بحدها، والسمن بحدّه، والقروش إذا توفرت؛ ويقسم شطيرة التنباك؛ بينه وبين (أبو داحي)، وإذا تأخّر عن نصيبه؛ يغدي بالدُخان العَثَري للبيت؛ ويقول يا ديكان؛ رأس ما يحب الكيف؛ حقه السيف.

يدوّر الفقيه وزوجته الزلّة على المؤذن؛ حاقدين عليه؛ بسبب حظوته؛ عند العريفة، وكلّما حاولوا يشعلون فتنة؛ بنقل نميمة؛ أو افتعال محاترة؛ ما تنجح لين جابها الله من عنده.


تناشبوا الأولاد في الجرين؛ كالعادة، وهم يلعبون؛ مصاكيع؛ ورثم ابن العريفة (ماحي) ابن المؤذن (داحي) على خشمه؛ وإذا دميانه تعطي؛ وزوجة الفقيه تتفرج؛ وتحرّض (ماحي) زده، الله لا يقيمه؛ ولا يقيم أمه؛ وتفرق الجمع، وكل واحد ماسك لسانه؛ خوفاً من ماحي؛ وطمعاً في حبة حلاوة عسليّة.

ميّست (زوجة الفقيه) بوقوع مشكلة؛ فزهمت؛ على زوجة المؤذن، من فوق الجناح؛ وقالت؛ ألحقي ولدك أهلكه ولد العريفة وحط فيه الشماته؛ وحلفت؛ لو ما افتكت؛ (داحي) من تحت (ماحي) ما تغرب عليه الشمس، إلا وهو تحت الصِلِي؛ وفقدت بأعز ضناها؛ إنه؛ كرّبه؛ لين بغت؛ تخرج عيونه؛ قالت أم داحي؛ عشان أيش؟ فقالت؛ لقيه يتنخّش البيض، من تحت دجاجتهم.

ما كذبت زوجة المؤذن خبرها، وتلفعت بشرشفها، وانمرشت على الوادي، وزوجها منهمك؛ في حرث بلاد العريفة؛ وما خلته ينزل من فوق المدمسة، وفقعت آذانيه؛ ولد العريفة ذبح ولدنا؛ إلى متى والعريفة يتكفّى بك، وانته كما العطوي، أحنمت عليه، وهو ساكت، ما ردّ عليها، فأقسمت لو ما يختلص لولدها، ما عاد يلطى؛ جنبها بجنبه.

فكّ المصلبة، وقال شيلي المصلبة، واسبقيني على البيت، ويصير خير، مرّ بالثيران على الكُرّ، لتشرب، والمدمسة فوق كتفه، وقبل ما يظهر من مجرّة الكرّ؛ إلا والفقيه متحريه، قال؛ انحى (ماحي) يتلقط عُبعُب، من المحجر، اصفقه كف وإلا كفين، واقفل باب الشرّ.

تعوّذ المؤذن من الشيطان، وفك الثيران في طريق البيت، ودنّق على الفلج وتوضأ، وعشّى ساعته الصليب، وانطلق للمسجد، وصعد فوق السطح، ومن شدة انفعاله لم يلتفت في حي على الصلاة حي على الفلاح، يمين وشمال؛ لأن بيت العريفة على يمينه.

عقب صلاة المغرب؛ رفع العريفة كالعادة؛ صوته بالتسبيح والتهليل، وعندما عزم المؤذن يشتكي له؛ من ولده؛ خَنَقته العَبْرَة، وما فهم من كلامه؛ إلا ولدك ضرب ولدي، وفقّع البيض؛ فوق ثيابه؛ وعندما علت نبرته على الكبير؛ قطع العريفة؛ تسبيحاته، وانتهره؛ قائلاً ؛ يا النازلة، لا تقعد تتلقط هروج، وروايا؛ النسوان والورعان، وترى هذا حدّها بينك وبيني، وعاد لاستكمال الأذكار.

استغل الفقيه الموقف؛ وأخرج مسواك العُتم؛ وقال؛ ما قد، خبرنا العريفة؛ وإلا أحد من عياله؛ غلطوا على مخلوق، وبدأ يمدح؛ وأقسم أنه هو وثيرانه وحميره وسفانه؛ تحت رِجل العريفة؛ فقال العريفة محشوم؛ قال عليّ الطلاق من هذا المحراب؛ إني تحت حذيانك؛ فتبسم العريفة مردداً؛ مجار.. مجار.. تكرم؛ والمؤذن يلمح من وسط رأسه.

فرشوا سفرة عشاهم؛ ونشبت لقمة المؤذن في صدره، وبدأ يشاهق، قالت مرته؛ هاك الطاسة؛ اشرب، فقال: لو شربت ماي البيت والوادي؛ ما ندرتْ اللقمة من صدري؛ قدامها عتبة قشراء، وبدأ يلوم نفسه، وبات مبات المحموم، يتقلب، قالت (أم داحي)؛ وشبك تتمعلص؛ كنّ تحت شوك؛ قال ؛ حسبي الله على من سدّ باب رزقي.

أصبح متنكداً، واسودت الدنيا، في وجهه، وأظلمت في عينيه؛ خصوصاً بعدما شاف الفقيه؛ سارح بالثيران؛ والورعان يحصبّون؛ ما تبقى من رُكبان العريفة؛ ما عاد، طب المسيد، يفرش مُصلاته الخصف، وياهب له ركعتين؛ ويخرج فوق الرعش، يضع كفه على خده؛ وذات صباح ؛ مدد سيقانه؛ ونسي نفسه؛ قالت مرته؛ رح من الهجلة؛ يا مخلوق، القِرّه شققت براطمك، وأغدت جلدك كما جلد الحبيني، عدّ؛ فُكّ ريقك بحبّة تمرة، وهو يردد؛ وش عدّى بي؛ أتقبّح منه، وكيف أرضيه.

سمع داحي؛ يلاجي أمه، يبغي بلالة للقرص؛ فدخل عليه حامش، وقال ؛ كُل قُرص قافر، ومَلَزّ، يا سبوقة الشيطان؛ فتحت علينا فتحة شرّ؛ كان الله مغنينا عنها، فقال (داحي)؛ والله إن (ماحي) ما غير يناغش، وكل يوم يلطّم أي واحد يلقاه في طريقه؛ ويصفّق الزغود؛ من شِقّ، وطرف، فعلّق الأب؛ لا؛ لا ما يزهق عليك، إنت اللي دوّرت لها ولقيتها؛ وش نطّ بك عندهم؛ وش تدوّر تحت دجاجهم يا الضربان؟.

كانت ابنته (داحية)؛ تغسّل ملابس؛ في الطشت؛ تحت الجناح، وتغني (يا كادي حميدة شوّقت روحي، عذقك سافروا به لين المدينة) فقال؛ أنا فدا الحس، وطلب منها؛ تكلّم رفيقتها بنت العريفة، أربّها تليّن رأس أبوها، فاعتذرت منها (ساهية) لأن أبوها حلف ما عاد يقاريه السلام؛ يكون يجي له خاطر غير الخاطر.

سمع أن العريفة؛ جوه ضيوف، وترقب يعزمه، ما عزمه، قال لنفسه؛ ما دعانا: الله يجعل عشاه تواه.. بعد المغرب، إلا والفقيه نادر بالجبة لبيت؛ يتمخطر؛ ويرفع صوته؛ يا بو ماحي؛ ولم تنس زوجة العريفة جيرانها؛ فأرسلت (ساهيه)؛ بطاسة مرقة، صفوتها أربعة أصابع؛ لبيت المؤذن؛ فتناولها (داحي)، وتخنطل في السحب، المعترض قدام الباب، وانكفح هو والمرقة، وإذا بالمؤذن، يتردد نفسه، فسأل زوجته؛ ما معك دهانة وإلا حُقانة؛ تُفتّين خبزتنا فيها؟ فقالت؛ الله يجعلها البوق اللي يحوقها بالحوق؛ ما تلقى زفرة؛ يكون ريحة المرقة المكبوبة؛ فقال؛ على ريح المرق فتّوا عشانا، ورفع نظره من الكُترة للسماء، وانفرط يضحك، لين دمّعت عيونه.